## الهمذاني وش يرجع: تفصيل في نسب بديع الزمان
يُعد أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر الهمذاني، المعروف ببديع الزمان الهمذاني، أحد أبرز الرواد الذين أثروا الأدب العربي، ومؤسس فن المقامات الذي غدا لوناً أدبياً فريداً. وكثيراً ما يثار تساؤل حول أصله ونسبه، خاصة وأن نسبته “الهمذاني” تشير إلى مدينة همذان الفارسية، فهل هو عربي الأصل أم فارسي؟ هذا المقال يستكشف تفاصيل نسبه.
### من هو بديع الزمان الهمذاني؟
وُلد بديع الزمان الهمذاني في مدينة همذان عام 357 هـ الموافق 968 م، وتوفي في هراة عام 398 هـ الموافق 1007 م. كان أديباً بارعاً، وكاتباً فذاً، تميز بذكائه الخارق وحافظته القوية وقدرته الفائقة على النظم والنثر. اشتهر بمقاماته التي تُعد من عيون الأدب العربي، والتي قدم فيها صوراً حية لمجتمعه بأسلوب بديع يمزج الفكاهة والحكمة والنقد.
#### مكانته الأدبية
يُعتبر بديع الزمان الهمذاني الأب الروحي لفن المقامات، وقد ألهم بأسلوبه ورؤيته الأدبية العديد من الأدباء الذين جاءوا بعده، أبرزهم الحريري. كانت مقاماته تمثل نقلة نوعية في السرد العربي، حيث جمعت بين القصة القصيرة والشعر والنثر الفني، وعرضت قضايا اجتماعية وفكرية بأسلوب مشوق ومبتكر.
### “الهمذاني” كنسبة مكانية
نسبة “الهمذاني” هي نسبة مكانية تدل على انتمائه إلى مدينة “همذان” التاريخية، وهي إحدى المدن الفارسية العريقة التي كانت مركزاً ثقافياً وتجارياً مهماً في العصور الإسلامية. كان من الطبيعي أن يُنسب الأدباء والعلماء إلى المدن التي ولدوا فيها أو عاشوا بها، لتمييزهم وتعريفهم. هذه النسبة وحدها لا تحدد بالضرورة أصله القبلي أو العرقي بشكل قاطع، فكثير من القبائل العربية استوطنت المدن الفارسية، كما أن العديد من الفرس تعربوا وساهموا في إثراء اللغة العربية وآدابها.
### أصل الهمذاني القبلي والنسبي
بالرغم من نسبته إلى مدينة همذان الفارسية، إلا أن معظم المؤرخين والنسابين يؤكدون أن بديع الزمان الهمذاني كان عربي الأصل، وينتمي إلى إحدى القبائل العربية العدنانية.
#### الروايات التاريخية حول نسبه
تتفق غالبية المصادر التاريخية وكتب التراجم والسير على أن بديع الزمان الهمذاني **يرجع نسبه إلى قبيلة تغلب العدنانية**. فنسبه الكامل، كما ذُكر، هو “أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى بن سعيد بن بشر التغلبي الهمذاني”. قبيلة تغلب هي من القبائل العربية الشهيرة التي كان لها صولات وجولات في التاريخ العربي قبل الإسلام وبعده، وخرج منها فرسان وشعراء وأدباء.
استقرت عائلة الهمذاني، كغيرها من القبائل العربية، في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، ومنها بلاد فارس، حيث استوطنت همذان لأجيال. ومع مرور الوقت، اكتسبت الأسرة النسبة المكانية إلى همذان، مع احتفاظها بنسبها القبلي الأصيل.
#### دلالات النسب العربي في عصره
في العصر العباسي، الذي عاش فيه بديع الزمان، كان للنسب العربي أهمية كبيرة في المجتمع والثقافة، وكان الانتساب إلى قبيلة عربية عريقة يُعد مصدر فخر واعتزاز. وقد ساعد هذا النسب الهمذاني على الاندماج الكامل في الأوساط الأدبية والثقافية العربية، والتأكيد على هويته العربية رغم نشأته في بيئة فارسية. لقد كان الأدب العربي في أوج ازدهاره، والمساهمة فيه كانت تعتمد على إتقان اللغة وعلومها، وهو ما برع فيه الهمذاني أيما براعة.
### الخلاصة
إن بديع الزمان الهمذاني هو مثال ساطع على التداخل الثقافي والحضاري في العصور الإسلامية الذهبية. فهو **همذاني النسبة المكانية** بحكم مولده ونشأته في مدينة همذان الفارسية، ولكنه **تغلبي الأصل والنسب** بحكم انتمائه إلى قبيلة تغلب العدنانية العربية العريقة. وقد جمع هذا الأديب الفذ بين أصالة النسب العربي وثرائه اللغوي، وبين تأثير البيئة الثقافية الفارسية، ليُقدم لنا نتاجاً أدبياً خالداً أثرى المكتبة العربية ولا يزال يُقرأ ويُحتفى به إلى اليوم.
