## العرماني: تتبع الأصول والامتدادات التاريخية

### مقدمة موجزة

كلمة “العرماني” لا تشير إلى قبيلة عربية واحدة أو نسب عائلي موحد بالمعنى التقليدي للقبائل العربية. بل هي نسبة تدل على الأصل الأرمني، وتُطلق على الأفراد والعائلات الذين تعود جذورهم إلى أرمينيا أو الجاليات الأرمنية التي استوطنت بلاد الشام ومصر والعراق وغيرها من مناطق العالم العربي على مر العصور.

### الجذور اللغوية والدلالة

#### معنى “العرماني” لغويًا

إن مصطلح “العرماني” هو تحوير أو نسبة لكلمة “أرمني” أو “أرميني”. تُستخدم هذه النسبة للإشارة إلى الانتماء الجغرافي أو العرقي لأرمينيا وشعبها. وهي لا تختلف في دلالتها عن قولنا “المصري” لمن ينتمي إلى مصر، أو “الشامي” لمن ينتمي إلى بلاد الشام، أو “التركي” لمن ينتمي إلى تركيا.

#### “العرماني” كلقب لا كنسب

من المهم التوضيح أن “العرماني” ليس اسم عشيرة أو قبيلة ذات امتداد نسبي عربي أصيل كما هو الحال مع قبائل مثل “التميمي” أو “القرشي” أو “الشيباني”. بل هو لقب عائلي اكتسبته عائلات كثيرة، أو اسم عرف به أفراد، للإشارة إلى أصولهم الأرمنية، خاصة أولئك الذين نزحوا أو هاجروا إلى الدول العربية. وقد حافظت بعض هذه العائلات على هذا اللقب كاسم عائلة أساسي لها في سجلات الأحوال المدنية، بينما اندمجت عائلات أخرى بشكل كامل في محيطها العربي واكتفت بالاحتفاظ ببعض ملامح ثقافتها الأصلية.

### لمحات تاريخية عن الوجود الأرمني في العالم العربي

#### التواجد الأرمني عبر العصور

يمتلك الأرمن تاريخًا طويلاً من التفاعل والتواجد في المنطقة العربية، يعود إلى عصور قديمة. فقد كانت هناك هجرات تجارية وثقافية وحتى عسكرية للأرمن إلى مناطق مثل مصر والشام خلال فترات تاريخية مختلفة، بما في ذلك العصور الرومانية والبيزنطية والفاطمية والمملوكية والعثمانية. وقد شغل العديد من الأرمن مناصب مهمة في هذه الدول، وبرزوا في مجالات الفن والتجارة والصناعة.

#### الهجرات الكبرى والتوزع الجغرافي

شهد مطلع القرن العشرين موجات هجرة أرمنية ضخمة إلى دول العالم العربي، تحديدًا بعد أحداث الإبادة الجماعية للأرمن (المعروفة باسم “المذبحة الأرمنية”) في الدولة العثمانية بين عامي 1915 و1923. لجأ عشرات الآلاف من الأرمن إلى بلدان مثل سوريا ولبنان ومصر والأردن وفلسطين والعراق، حيث استقبلتهم هذه الدول وقدمت لهم الملاذ الآمن.

تأسست جاليات أرمنية كبيرة ومزدهرة في مدن مثل حلب ودمشق وبيروت والقدس والقاهرة وبغداد. وقد احتفظت هذه الجاليات بهويتها الثقافية والدينية، وأسست مدارسها وكنائسها ومؤسساتها الثقافية والاجتماعية التي لعبت دورًا حيويًا في الحفاظ على اللغة الأرمنية والتقاليد الأرمنية.

### سمات وهوية “العرمانيين” في العالم العربي

#### الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية

برغم اندماجهم في مجتمعاتهم العربية المضيفة، إلا أن “العرمانيين” حافظوا على هوية ثقافية ودينية مميزة. معظم الأرمن ينتمون إلى الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية (الرسولية)، وهناك أقليات تتبع الكنيسة الأرمنية الكاثوليكية أو البروتستانتية. تلعب الكنيسة والمدرسة الأرمنية دورًا محوريًا في تعليم الأجيال الشابة اللغة الأرمنية والتاريخ والثقافة الخاصة بهم. كما يتميزون ببعض العادات والتقاليد في الأعياد والمناسبات الاجتماعية والفنية.

#### الاندماج والمساهمة في المجتمعات المضيفة

ساهم الأرمن، أو “العرمانيون”، بشكل كبير في نهضة وتطور المجتمعات العربية التي استقروا فيها. اشتهروا بمهاراتهم الحرفية العالية، وخاصة في مجالات الذهب والمجوهرات والساعات والتصوير الفوتوغرافي والخياطة والأحذية. كما برزوا في التجارة والصناعة والفنون والآداب والطب والتعليم. وبمرور الوقت، أصبح العديد من “العرمانيين” مواطنين فاعلين ومخلصين لأوطانهم العربية، مع الاحتفاظ باعتزازهم بتراثهم الأرمني الغني.

### الخلاصة

إن لقب “العرماني” هو شهادة حية على تاريخ طويل من الهجرات والتعايش والتأثير المتبادل بين الأرمن والعالم العربي. إنه لا يعكس نسبًا قبليًا، بل يشير إلى أصل قومي وثقافي عريق، يمثل جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي الغني والمتنوع في العديد من الدول العربية. الأفراد والعائلات الذين يحملون هذا اللقب هم أحفاد لمجتمع صمد أمام التحديات، وحافظ على هويته، وساهم في بناء وتقدم الأوطان التي احتضنته.

من khaled