## القباني وش يرجع: جذور دمشقية عميقة في قلب التاريخ والثقافة

لطالما كان اسم “نزار قباني” مرادفاً للشعر والعشق والثورة في الوجدان العربي. ومع كل قصيدة تلامس الروح، يبرز تساؤل طبيعي لدى الكثيرين حول أصل هذا الاسم العريق، أو “وش يرجع القباني؟”. الإجابة ليست في قبيلة بعيدة أو نسب مهاجر، بل تكمن في عمق التاريخ الدمشقي العريق، حيث كانت عائلة القباني جزءاً لا يتجزأ من نسيج المدينة وذاكرتها.

### “القباني”: اسمٌ يروي تاريخ دمشق

للإجابة عن سؤال “وش يرجع القباني”، يجب أن نعود إلى أصول الاسم نفسه ونستكشف جذوره في المدينة العتيقة، دمشق.

#### الأصل اللغوي والمهني للاسم

اسم “القباني” هو لقب مهني ارتبط بمهنة كانت شائعة وذات أهمية قصوى في الأسواق القديمة. كلمة “القبان” هي ميزان كبير يستخدم لوزن البضائع الثقيلة مثل الحبوب والأقمشة والمواد الخام بكميات كبيرة. وبالتالي، كان “القباني” هو الشخص المسؤول عن هذا الميزان، أي “الوزان” أو “صاحب الميزان”. هذه المهنة لم تكن مجرد وظيفة عادية، بل كانت تتطلب الأمانة والدقة وكانت جزءاً أساسياً من النظام التجاري للمدن الكبيرة مثل دمشق. هذا يدل على أن العائلة كانت متأصلة في الحياة الاقتصادية والتجارية للمدينة منذ زمن بعيد.

#### الجذور الدمشقية العريقة

عائلة القباني ليست عائلة وافدة إلى دمشق، بل هي عائلة دمشقية أصيلة، ضاربة جذورها في تربة الشام منذ قرون. هي جزء من النسيج الاجتماعي والثقافي للمدينة، وقد سكنت حاراتها العتيقة وأسهمت في بناء حضارتها. هذه الجذور العميقة تعني أن هوية نزار القباني الشعرية والثقافية لم تنشأ من فراغ، بل هي امتداد لإرث عائلي متجذر في مدينة عرفت بكونها مركزاً للعلم والثقافة والتجارة.

### بيت القباني: إرث من الثقافة والوطنية

لم تكن عائلة القباني مجرد عائلة تجارية، بل كانت حاضنة للثقافة والفكر والوطنية، وهو ما انعكس بوضوح في شخصية وأعمال نزار القباني.

#### أبناء القباني: رواد في مجالاتهم

قبل نزار القباني، لمعت شخصيات بارزة من عائلة القباني في مجالات مختلفة، مما يوضح عمق الإرث الذي ورثه الشاعر:

* **أبو خليل القباني (محمد آغا بن خليل آغا قباني):** يُعدّ رائد المسرح العربي الحديث. في أواخر القرن التاسع عشر، أسس أبو خليل القباني أول فرقة مسرحية عربية في دمشق، وقدم عروضاً مسرحية غنائية كانت بمثابة ثورة فنية في زمانها. لاحقاً، انتقل إلى مصر وتابع مسيرته الفنية، تاركاً بصمة لا تُمحى في تاريخ الفن العربي. هذا الجد الأكبر لنزار القباني أرسى دعائم التجديد الفني والثقافي في العائلة.
* **أحمد القباني:** والد الشاعر نزار قباني، لم يكن شخصية عادية. كان أحد أبرز رجالات الحركة الوطنية السورية الذين ناضلوا ضد الاستعمار الفرنسي. تولى مناصب سياسية مهمة، وكان عضواً في الكتلة الوطنية، وشارك في صياغة دستور سوريا. إن هذا الجانب الوطني والسياسي في العائلة يؤكد على وعيها بقضايا الوطن والمجتمع، وهو ما انعكس لاحقاً في شعر نزار، خاصة قصائده الوطنية والقومية.

#### نزار القباني: امتداد لرحلة العطاء

نزار قباني، السفير والشاعر، لم يأتِ من فراغ. كان ابناً لبيئة غنية بالثقافة والفن والوطنية. لقد ورث عن جده “أبو خليل” حس الفن والتجديد والجرأة في التعبير، وعن والده “أحمد” الوعي الوطني العميق والارتباط بقضايا الأمة. هذه التركيبة الفريدة جعلت منه شاعراً استثنائياً، يمزج بين رقة العاطفة وجسارة الموقف، ويقدم شعراً يلامس شغاف القلوب ويهز ضمائر الشعوب. إن “القباني” لم تكن مجرد كنية، بل كانت عنواناً لإرث طويل من العطاء والإبداع والتجذر في هوية دمشقية عربية خالصة.

### الخلاصة: دمشقي الأصل والهوية

إذاً، القباني لا يرجع إلى قبيلة معينة تنتشر في الصحاري أو تتوزع على أقاليم بعيدة. بل يرجع إلى قلب دمشق النابض، إلى حاراتها العتيقة وأسواقها الصاخبة، إلى عائلات أصلية ساهمت في صياغة تاريخها وحضارتها. نزار القباني هو ابن دمشق بامتياز، اسمه يحمل عبق أسواقها القديمة، وروحه تتجسد فيها مئذنة شامخة وعين ماء رقراقة. إن سؤاله عن “وش يرجع” هو سؤال عن أصالة دمشقية لا تقبل الشك، وعن إرث ثقافي ووطني توارثته الأجيال، ليبلغ ذروته في شعر نزار الذي خلد اسم القباني كرمز خالد للإبداع العربي الأصيل.

من khaled